من الاستقدام إلى الاستغلال.. هل ينجح الأردن في حماية عاملات المنازل؟
من الاستقدام إلى الاستغلال.. هل ينجح الأردن في حماية عاملات المنازل؟
وسط صمت طويل يلفّ قصصهن، تقف عاملات المنازل في الأردن على حافة المعاناة والانتهاك، محاصرات بثقافة اجتماعية ترى فيهن "خادمات"، ونظام قانوني ما زال يتلمس طريقه نحو إنصافهن، وسوق عمل يحكمه الوسطاء والمكاتب أكثر مما تحكمه القوانين.
ورغم جهود المؤسسات الحقوقية في تحسين واقعهن فإن الإحصاءات والتقارير الدولية تكشف عن مآسٍ متكررة، وانتهاكات تتراوح بين الحرمان من الأجر، وسوء المعاملة، والعمل القسري، والعزل عن العالم الخارجي.
وفي هذا السياق، جاءت مذكرة التفاهم الموقعة بين مركز عدالة لدراسات حقوق الإنسان ونقابة أصحاب مكاتب استقدام العاملين في المنازل كخطوة طال انتظارها لتعزيز آليات الحماية القانونية، لكنها لا تزال بحاجة إلى إرادة حقيقية للتنفيذ.
خطوة إيجابية على طريق طويل
في 7 أغسطس 2025، وقع مركز عدالة لدراسات حقوق الإنسان في الأردن مع نقابة أصحاب مكاتب الاستقدام مذكرة تفاهم تهدف إلى تعزيز حقوق عاملات المنازل غير الأردنيات، وتوفير الدعم القانوني والتوعوي لهن.
وتقوم الشراكة على أربعة محاور رئيسية هي، الحماية القانونية من خلال إنشاء آلية لتقديم الاستشارات والمساعدة القانونية المجانية، والتوعية الحقوقية من خلال رفع وعي العاملات فور وصولهن بحقوقهن وواجباتهم، وتدريب أصحاب المكاتب وبناء قدراتهم في مجال أخلاقيات العمل وحقوق الإنسان، بجانب الوقاية والتدخل المبكر بهدف حل النزاعات وديًا قبل تفاقمها.
وتعكس المذكرة، بحسب رئيس المركز عاصم الربابعة، التزامًا بإيجاد “حلول عملية ومستدامة تضمن الكرامة والعدالة”، أما رئيس النقابة أحمد الفاعوري، فقد أشار إلى أن الخطوة تعكس "التزامًا حقيقيًا بحقوق جميع الأطراف"، خصوصًا في ظل ما تتعرض له العاملات من انتهاكات متعددة وفق ما ذكرته وكالة الأنباء الأردنية.
أرقام وانتهاكات مقلقة
رغم هذه الخطوة، لا تزال التقارير الحقوقية تشير إلى واقع هش لحقوق عاملات المنازل في الأردن، ووفقًا لتقرير سابق لمنظمة "هيومن رايتس ووتش"، فإن الانتهاكات تتنوع بين العمل القسري نتيجة حجز جوازات السفر ورفض منح الإجازات، وأجور غير مدفوعة أو تأخيرها لأشهر، وسوء المعاملة الجسدية أو النفسية من قبل بعض أصحاب العمل، وعدم تمكين العاملات من مغادرة مكان العمل أو التواصل مع العالم الخارجي.
ووفقًا لوزارة العمل الأردنية، هناك أكثر من 55 ألف عاملة منزلية مسجّلة رسميًا في المملكة، معظمهن من الفلبين، وسريلانكا، وبنغلادش، وكينيا، بينما تشير منظمات غير رسمية إلى أن العدد يتجاوز ذلك بكثير، في ظل وجود عدد كبير من العاملات غير النظاميات.
في عام 2023، تلقى المرصد العمالي الأردني ما يزيد على 700 شكوى من عاملات منازل، تتعلق بالعمل القسري وعدم دفع الأجور، والعنف اللفظي والجسدي، والحرمان من الإجازات، وهي أرقام لا تعكس إلا جزءًا يسيرًا من الواقع، بسبب الخوف أو الجهل بالحقوق أو صعوبة الوصول للعدالة.
بين الثغرات والفرص
بدأت الأردن بتنظيم قطاع العمالة المنزلية في العقدين الأخيرين، وأدخلت تعديلات على قانون العمل لتشمل هذه الفئة، وأصدرت نظامًا خاصًا بعقود العمل لعاملات المنازل عام 2009، لكن القانون ما زال يواجه انتقادات عديدة حيث لا يُلزم أصحاب العمل بتوفير إجازة أسبوعية مدفوعة الأجر بشكل فعال.
ولا توجد عقوبات واضحة ضد أصحاب العمل الذين يحتجزون جوازات السفر، ولا تُمنح العاملات حق التنظيم النقابي أو التمثيل الجماعي.
منظمة العمل الدولية، التي تتابع عن كثب قضايا العمل اللائق، طالبت مرارًا الأردن بتعزيز حماية العاملات من خلال مواءمة قوانينها مع الاتفاقية الدولية رقم 189 بشأن العمل اللائق للعمال المنزليين، والتي لم يوقع عليها الأردن بعد.
القانون في صف العاملات
وفقًا للقانون الدولي لحقوق الإنسان، وخاصة العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فإن للعاملات الحق في: ظروف عمل عادلة، أجر كافٍ، بيئة خالية من العنف والتمييز، إمكانية الوصول إلى العدالة.
كما أن اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (CEDAW)، والتي وقّعت عليها الأردن، تُلزم الدول باتخاذ جميع التدابير لحماية النساء العاملات، لا سيما المعرضات لخطر الاستغلال.
ومع ذلك، فإن غياب آليات إنفاذ فعالة وتعدد الجهات الرقابية، والثغرات القانونية، تمنح أصحاب العمل سلطة شبه مطلقة على العاملات، ما يجعل القانون الدولي حاضرًا في النصوص وغائبًا في الممارسة.
صمت مجتمعي
وراء الأبواب المغلقة، تدفع العاملات ثمن ثقافة ترى فيهن خادمات لا عاملات محترفات، وتُبرر الكثير من الانتهاكات تحت ذريعة "الخصوصية المنزلية"، هذا الصمت المجتمعي، المدعوم أحيانًا بتواطؤ من الجهات الوسيطة، يُضعف قدرة العاملات على التبليغ أو المطالبة بحقوقهن.
وتشير منظمات نسوية أردنية إلى أن التمييز الهيكلي ضد النساء، وتحديدًا المهاجرات، يتقاطع مع العرق والطبقة واللغة، ما يجعل هذه الفئة من النساء الأكثر هشاشةً قانونيًا واجتماعيًا.
ويعد توقيع مذكرة التفاهم بين مركز عدالة والنقابة خطوة مهمة، لكنها لا تكفي وحدها والحل يتطلب تشريعات أكثر صرامة تعاقب الانتهاكات بوضوح، وانضمام الأردن إلى الاتفاقيات الدولية ذات الصلة، ورقابة مستقلة وشفافة على مكاتب الاستقدام وسلوك أصحاب العمل، توسيع برامج التوعية والتمكين القانوني للعاملات بلغاتهن الأصلية، ودعم منظمات المجتمع المدني التي تُعنى بحقوق العاملات.
عاملات المنازل في الأردن لسن مجرد أيدٍ عاملة، بل نساء لهن قصص، وأحلام، وأصوات، حمايتهن من الانتهاك ليست مسألة قانونية فحسب، بل قضية إنسانية بامتياز، لا يمكن الحديث عن مجتمع عادل ما لم تُضمن الكرامة والعدالة والحقوق المتساوية لكل إنسان، سواء كان أردنيًا أو وافدًا، رجلًا أو امرأة.